Friday, December 17, 2010
'المسكوت عنه' في خطاب المعارضة الأردنية: المخابرات العامة إلى أين ؟
'المسكوت عنه' في خطاب المعارضة الأردنية: المخابرات العامة إلى أين ؟!
27-6-2004
ويدرك كثير من المعارضين والسياسيين الأردنيين حجم التغير الذي أصاب المخابرات العامة وعقيدتها السياسية والأمنية، الأمر الذي أثّر بدروه كثيرا على الأخلاقيات العامة لعمل هذا الجهاز، فاستباح كثيرا من الأساليب المحرمة سابقا، وانعكس الوضع لتصبح المخابرات الأردنية نموذجا عالميا في استخدام "الأساليب القذرة" لنيل الاعترافات أو تنفيذ المهام الموكولة إليها بمهارة واحتراف.
بقلم فيصل فرحي
يفتقد الأردن إلى وجود معارضة سياسية وطنية ترتفع بسقف الخطاب السياسي من الحدود الدنيا التي يلتزم بها، إلى مستوى عال يتناول القضايا الجوهرية التي تعني المواطن وتصيب كرامة وسمعة الدولة في الصميم، خاصة مع سياسات الملك عبد الله الثاني المتهافتة في تنفيذ المشروع الأمريكي، بحيث تحولت السياسة الخارجية الأردنية لتصبح بشكل واضح أداة من أدوات الهيمنة الأمريكية في المنطقة. وإذا كان هناك شق معلن – في هذه السياسات - يدور الجدل الأكبر حوله، فإن هناك شقا سريا خطيرا للغاية، يتمثل في البعد الأخطر ألا وهو "البعد الأمني".
يحظى جهاز المخابرات العامة باحترام شديد لدى الشعب الأردني ، بل كان ينظر له كثيرون أنه السياج الذي حمى الوطن من أيدي الفصائل الفلسطينية العابثة في الستينات، والتيارات القومية واليسارية في الخمسينات، وكان هذا الجهاز -في العقود السابقة- بمثابة صمام أمان للأردن ، وكان يتجنب في كثير من الأوقات الانزلاق إلى الأساليب القذرة والبشعة التي كانت تمارس في العديد من الدول العربية، مع ملاحظة وجود تجاوزات كبيرة في عمله -بطبيعة الحال- مرتبطة بطبيعة عمل الأجهزة الأمنية .
ويبدو أن أحد المحددات الرئيسة التي فرضت على هذا الجهاز – سابقا - ضوابط أخلاقية تحول بينه وبين الانزلاق إلى مرحلة الفساد الكبير -الذي وقعت به الأجهزة الأمنية العربية في كثير من الدول الأخرى– هو طبيعة تكوين الجهاز الذي يغلب على أفراده أنهم من أبناء العشائر الشرق أردنية والمعروفين بروح التسامح والأخلاق والود، والبعد عن الأساليب الأمنية المحترفة في الفساد، وأيضا طبيعة الحكم في عهد الملك حسين، وخاصة فترة الحرب الباردة، إذ كان هناك "تسامح سياسي" كبير ومحاولة لتجنب الحلول الدموية في التعامل مع المعارضة .
ومن القصص المشهورة –على هذا الصعيد- قصة "ليث شبيلات" المعارض الأردني البارز، الذي ذهب الملك شخصيا لإخراجه من السجن وإرجاعه لوالدته مصطحبا إياه في سيارته الخاصة من السجن إلى المنزل، على الرغم أن هجوم شبيلات السياسي العلني قد وصل إلى التشكيك بتاريخ كل العائلة الحاكمة في الأردن ودورها التاريخي. وكذلك قصص العفو الملكي المعتادة بحق المحكومين في قضايا أمن الدولة، ويكفي القول: إن هناك مجموعة كبيرة من القضايا
-المنسوبة للإسلاميين– في محكمة أمن الدولة قد خرج أبناؤها بالعفو الملكي كقضية جيش محمد والنفير ومتفجرات عجلون وبيعة الإمام ..الخ .
لست هنا بصدد كيل المديح لنظام حكم أو جهاز أمني عربي، فكلنا يعلم الدور الخطير والفاسد الذي تقوم به الأجهزة الأمنية العربية، بما فيها المخابرات الأردنية، كما أنّ عمالة الملك حسين للمخابرات الأمريكية باتت من القضايا المعروفة والمستقرة، وقد تحدث عنها بوضوح محمد حسنين هيكل. ولكن الملاحظات السابقة كانت جوهرية لإدراك حجم التحولات التي أصابت جهاز المخابرات ودوره المفترض منذ بداية التسعينات وصولا إلى العهد الجديد مع فترة حكم الملك عبد الله، إذ تحولت المخابرات العامة لتصبح أداة من أهم أدوات المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وقد صرّح "أحمد عبيدات" ( رئيس مخابرات ورئيس وزراء سابق ) قبل سنوات –في محاضرة في مؤسسة شومان الثقافية الأردنية- أن الأردن بات مركزا رئيسا من مراكز الموساد الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط .
لقد ظهرت مؤشرات عديدة على تحول كبير في دور جهاز المخابرات الأردنية وأهدافها منذ أحداث أيلول مع تعمق مأزق الكيانات القطرية العربية، في إطار إعلان الإدارة الأمريكية الحرب على الإرهاب، إذ أعاد الأردن تعريف دوره الإقليمي بشكل واضح ليكون أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وبالتحديد في الحرب على الإرهاب = الحرب على الحركات الإسلامية، فعززت هذه التحولات الكبيرة في السياسة الخارجية التغير الجوهري في طبيعة العقيدة الأمنية والسياسية لعمل المخابرات العامة؛ إذ تحول الهدف من حماية الوطن إلى تسويق الدولة كشريك مخلص وموثوق ومحترف في محاربة الإرهاب الإسلامي، وفي خدمة الأهداف الأمريكية في المنطقة.
ويدرك كثير من المعارضين والسياسيين الأردنيين حجم التغير الذي أصاب المخابرات العامة وعقيدتها السياسية والأمنية، الأمر الذي أثّر بدوره على الأخلاقيات العامة لعمل هذا الجهاز، فاستباح كثيرا من الأساليب المحرمة سابقا، وانعكس الوضع لتصبح المخابرات الأردنية نموذجا عالميا في استخدام "الأساليب القذرة" لنيل الاعترافات أو تنفيذ المهام الموكولة إليها أمريكيا بمهارة واحتراف.
ويشير عدد من المحللين إلى دور الشخصيات المهيمنة في الفترة الأخيرة على دائرة المخابرات في تحقيق هذا التحول، فبعد أن كانت هذه الشخصيات "شرق أردنية" في العقود السابقة أصبحت منذ سنوات من أصول تعود لأقليات عرقية أو اجتماعية؛ فـ"سميح البطيخي" (مدير المخابرات السابق) من أصول شامية وكذلك الأمر المدير الحالي سعد خير، وأحد أبرز الضباط المسئولين عن التعذيب وقسم مكافحة الإرهاب "علي برجاق" من أصل شركسي. بل هناك علامات استفهام كبيرة على حالة الفساد التي أصبحت تنخر في بنية الدائرة، وظهرت إحدى تجلياتها في فضيحة البطيخي وسرقاته، والتي ارتبطت أيضا بأبعاد إقليمية ودولية، الأمر الذي اذهل الأردنيين جميعا وهم يشهدون تدهور سمعة ومصداقية هذا الجهاز على مختلف المستويات.
التحولات السابقة في عمل دائرة المخابرات أكدتها تقارير إعلامية مبنية على تسريبات أمنية غربية، ولعل أبرزها وجود عدد من المعتقلات السرية الأمريكية في الأردن، والتي يتم فيها ممارسة جرائم
[ فظيعة ] ضد المعتقلين الإسلاميين، وبمشاركة ضباط ومسئولين من جهاز المخابرات الأردنية، بل وتسويق الأردن لدى الدوائر الأمريكية والإسرائيلية من خلال مفهوم الدولة الجاسوس على الدول العربية الأخرى، وعلى الحركات الإسلامية، ويكفي أن المسئولين العراقيين قد لمحوا كثيرا إلى دور الأردن الأمني في الحرب الأخيرة على العراق، ناهيك عن القضايا[ المفبركة ] ضد تنظيم القاعدة في الأردن والتهويل من خطر الإرهاب الإسلامي لنيل المزيد من المساعدات، ولتعزيز دور الجهاز وهيمنته على الساحة الداخلية.
ربما ليس جديدا الحديث عن عمالة العائلة الحاكمة في الأردن للولايات المتحدة، وإقامتها علاقات سرية مع إسرائيل منذ عقود طويلة ، ولكن الغريب والخطير في الموضوع العمل على تحويل دولة كاملة - معروفة بشعبها الأصيل - إلى عميل أمريكي وجاسوس على الدول العربية الأخرى. والأغرب من ذلك سكوت المعارضة الأردنية وبالتحديد الإسلامية عن هذه التحولات الخطيرة، وعدم وجود أي خطاب سياسي للمعارضة بهذا الخصوص، وكأن التحولات الأخيرة الخطيرة لا تعني المعارضة وليس لها علاقة بها، فلا تكاد تجد أي اهتمام حقيقي فاعل من قبل الحركة الإسلامية بالقضايا الوطنية.
إن الأردن – بحق – بحاجة إلى معارضة وطنية اليوم تقدم خطابا سياسيا جريئا وصادقا لا يتهرب من القضايا الرئيسة التي تعبر عن هموم البناء الاجتماعي وتنطلق منه، كما أنها تبتعد عن الشعارات الجوفاء والخطب المعلبة، إنما تعبئ الشعب للدفاع عن القضايا الخطيرة التي تحيط بالوطن وفي مقدمتها : الفساد السياسي، التحولات السياسية، الدور الإقليمي الخطير الجديد، الأزمة الاقتصادية، والتوازنات الاجتماعية، ودور المخابرات العامة الأردنية.
بلا شك إذا نهضت هذه المعارضة الوطنية للقيام بدورها ستجد سندا وعضدا لها في ثلة من أبناء الوطن الشرفاء من داخل مؤسسة الجيش والمخابرات العامة والمؤسسات الأمنية والوطنية الأخرى التي ما زالت تضم كثيرا من الشرفاء الأردنيين من أبناء العشائر الأصيلة الذين لم يصابوا بلوثة السياسة الانتهازية، ولا تسمح لهم أخلاقهم ببيع "القضية" في المزاد العلني!.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment